البطل المجاهد إسماعيل ولد الولي ولد الباردى الرگيبي
قال امبيريك ولد سيدي يحيى، حين سأله الحاكم الفرنسي عن قوة قبيلة الرگيبات، قال:
لاتخلو قبيلة الرگيبات من ثلاث نسوة: واحدة تُعد الزاد للمقاتلين، وواحدة تزغرد للمنتصرين العائدين بالغنائم، وواحدة تبكى القتلى الراحلين.
وهو جواب يعكس قوة شكيمة قبائل الرگيبات وأنهم في صراع وجودي دائم ما استكانوا فيه ولا وهنوا.
قبيلة الرگيبات قبيلة عربية عريقة لها جذور ضاربة في أعماق التاريخ وخاصة بمنطقة الصحراء الكبرى، ويمتد مجال تحركها من المنطقة الممتدة من السمارة غربا إلى تندوف بالجزائر شرقا، ومن گلميم شمالا إلى أطار في موريتانيا جنوبا، وينتسب أفرادها إلى جدهم سيدي أحمد الرگيبي، الذي ينتهي نسبه إلى إدريس الأكبر ، بن عبد الله الكامل ، بن الحسن المثنى ، بن الحسن السبط ، بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حسب شجرة النسب المنقولة والتي وجدت في زاوية "آل سيدي صالح" بدرعة في رأس القرن الثاني عشر.
ويعرف بسيدي أحمد الرگيبي نسبة إلى ارگييبة أو الرگبة، بإزاء ثنية بين المحاميد ولكتاوة، أو بمنطقة الأخناگ، بوادي درعة.
المصادر التاريخية المتوفرة حول الجد المؤسس لقبيلة الركيبات، سيدي أحمد الرگيبي، تجمع على أنه أنجب ثلاثة أبناء، وهم: علي، وأعمر، و القاسم، وهم الذين شكلوا البطون الأساسية لهذه القبيلة.
الابن علي، شكل فرع أولا علي بن سيدي أحمد الرگيبي؛ وينقسمون إلى أولاد موسى، والسواعد، وأولاد داود، والمؤذنين، بالإضافة إلى أولاد بورحيم.
أما بالنسبة للابن أعمر، فشكل فرع أولاد اعمر بن سيدي أحمدالرگيبي؛ ويتكون هذا الفرع من أولاد الشيخ، وأولاد الطالب، والتهالات.
وبالنسبة للقاسم الذي تفرع عنه “القواسم”، فينقسم إلى أهل إبراهيم أوداود، والبيهات، والفقرة، ولعيايشة.
وعرفت قبائل الرگيبات بجهادها ضد المستعمر الفرنسي والمستعمر الإسباني، وبرز منها قواد أفذاذ منهم البطل المجاهد إسماعيل(ابياه) ولد الولي ولد الباردى الموسوي الرگيبى قائد من قواد بيوتات قيادة أولاد موسى.
ولد عام 1883، وكان من أبرز قادة المقاومة وخاض معارك شرسة ضد الاحتلال الفرنسي منها مثالا لاحصرا معركة الحفرة و معركة الطريفية، كما كان من فرسان معركة اكصير الطرشان بآدرار شمال موريتانيا، وكان جيش تلك المعركة يتكون من 800 مقاتل نصفهم من الرگيبات بشهادة الكولونيل غورو.
وفي معركة (صنگة لگديم) تقدم ابن عمه الفارس أحمد ولد حمادي الساعدي، يمتطي فرسة (اجريبه)، فأصابته رصاصة قرنت ساقية وسقط من على فرسه، فأسرع إليه إسماعيل ولد الباردي في خطوة سريعة وشجاعة فحمله مع مدفعيه على كفل فرسه وقد حمي الوطيس، فاستهدف العدو فرس إسماعيل فسقطت ميتة فحمل رفيقه وزحف به مع سلاحه حتى ابتعدا عن نيران العدو وفي ذلك المشهد يقول الشاعر الدخيل ولد سيدي بابا:
ميتت فرسك ما تحزم حد :: فرسك ماتت فسمعها بعد
ماتت بيك الفوگ امبند :: ظاهر كامل كيفت لمجون
داير غفارة تتگدد :: لِحرَب فيها كيفت لمزون
وأكتن طاحت لفرس بأحمد :: جيت امكركس كيف المجنون
وأبگيت أسبع فم أمگلد :: ما تخبط كون اعْلَ لگرون
ولِّ باغي يحسد يحسد :: ولِّ يختير ايخون يخون
كما كان من قواد وأبطال معركة (الطريفية) شمال مدينة أطار، والتي دارت رحاها في أبريل 1925، حيث ضرب مجاهدو الرگيبات، القوات الفرنسية بقوة، ما أسفر عن مقتل 17 من القوة الاستعمارية من بينهم النقيب جرفال GIRVAL قائد الكتيبة، و جرح 13 أخرين، بينما استشهد 40 مجاهدا من ضمن قوة تضم 360 مجاهدا.
هذه المعركة دفعت الفرنسيين إلى التفكير في ضرورة التنسيق مع الإسبان للقضاء على مقاومة الرگيبات.
قال الرائد الفرنسي جيليه GILLIER في مذكراته عن معركة (الطريفية):
(إن معركة الطريفية كانت أطول وأحمى معركة تم تسجيلها في موريتانيا..
دامت هذه المعركة على الأقل ثلاثة أيام وثلاث ليال، حوصرت خلالها إحدى كتائبنا الجمالة من قبل جيش يفوقها في العدد ثلاث مرات جلها من الرقيبات، ولم ينته القتال إلا بعد حصول خسائر فادحة، وبعد معاناة شديدة من العطش بقرت خلالها بطون الجمال المقتولة، وبعدما نفدت ذخيرة المهاجمين.
في يوم 2 أبريل في الصباح بعدما استنفدت الكتيبة الأولى لجمالة آدرار المراعي الواقعة في ضواحي الزريبة، انتقلت نحو "الطريفية "، وعند السابعة والنصف، وفي الوقت الذي وصلت إلى المنزل الجديد الذي تم اختياره، أشير إلى وجود جيش على بعد 2 كلم نحو الشمال الشرقي، فأحاط الجيش الذي لم يكن ينقص عن ثلاثمائة وخمسين مقاتلا فورا بالكتيبة التي كان عدد الحاضرين فيها يرتفع الى ثلاثة ضباط وأربعة ضباط صف وعريف أوربي ومائة وأربعون من الرماة الأفارقة وثلاثين من الحرس البيضان والمناصرين، استخدم المهاجمون الميدان ببراعة، في منطقة ذات كثبان، وانسابوا من باقة الى باقة ووصلوا فوراٌ إلى 200 متر تقريبا من أصحابنا، التراشق كثيف فالرقيبات لديهم هدافون من النخبة، ويوجهون الطلقات بدقة، ولكن الرشاشات التي تطلق طلقات متلاحقة أوقفت تقدم العدو، وكبدته خسائر فادحة، وعند الساعة الثانية بعد الزوال قام النقيب قائد الكتيبة بهجوم مضاد لحماية الحرس الذي اقترب منه العدو إلى بعد 30 مترا فارتمى العدو الى بضعة مئات من الأمتار تاركا خمس جثث في الميدان ]
وأضاف جيليه: [أن المقاومين انسحبوا إلى زهاء كيلومتر واحد تقريبا وتمادوا خلال العشية وخلال الليل في إطلاق النار المتقطع واستمروا خلال النهار الثالث إطلاق نار بهدف الإزعاج.. واقترب العدو فور غروب الشمس، وكان المهاجمون يصيحون بأعلى أصواتهم بالتحريض على الهجوم ...خلال هذه الليلة أصيب النقيب إصابة قاتلة في صدره.. وعند الساعة الحادية عشر ليلا شن الرقيبات الهجوم فتلقاهم الرماة بالقنابل اليدوية، ثم تقاتلوا بحراب المدافع, فهرب المهاجمون تاركين على بضعة أمتار جثة منشق من حرسنا القدامى. وفي صباح الغد غادر العدو المعركة، وانسحب بعد أن نفدت ذخيرته. كانت خسائرنا كبيرة :17 قتيلا من بينهم النقيب جرفال GIRVAL قائد الكتيبة وخمسة من الرماة وأحد عشر من الحرس وستة جرحى.. وترك العدو ثلاثين جثة أمام الزريبة وعددا من الجرحى لايمكن إلا أن يكون كبيرا) كان هذا طبعا كلام الرائد الفرنسي جيليه GILLIER.
كما كان إسماعيل ولد الباردي من قواد (معركة توجنين)، وهي المعركة الضارية التي اندلعت فجر السابع من سبتمبر 1931 بين المجاهدين، بقيادة الشيخ محمد المامون ولد الشيخ محمد فاضل، والفرقة الفرنسية المتنقلة لشنقيط، بموقع توجنين إلى الشمال من أطار، على مسافة تقدر بحوالي 50 كلم. وقد كانت الغلبة في هذه المعركة للمجاهدين، على الرغم من الموقع الحصين الذي كانت تتخذه الفرقة المتنقلة، وعلى الرغم من حالة الاستنفار القصوى التي كانت معلنة بين أفرادها.
ويقول المجاهد محمد المامون في (معركة توجنين):
عنّك لحگ لِلِّ يسلم :: من ذي لخبار إلْتُمَنّ
يتهنّ بيها حد اعلم :: مسلم ول لا يتهَنّ
عنك لحگ للمسلمين :: فأخبر ذي الغزوة مجتمعين
صنكت برميل افتوجونين :: اهدمناهَ قوگ الظّنَّ
من عدتها عمرو ليدين :: و أجففه عمرت جَهَنَّـ (مَ)
أحنَ ماتو من وحدين :: واسعينَ رد ألهم عن
ذوك ألماتو مجاهدين :: وَدّاوْ الواجب والسُنَ
زوجناهم بالحور العين : واختارُ نعيم الجَنَّ
والحَيّين اعلَ ذو الحيين :: يفتخرُ لله المِنَّ
ولْخاطيهم مذبذبين :: ماهُمْ منهم ولا مِنَّ
وظل البطل المجاهد إسماعيل ولد الباردي وفيا للمقاومة، وكان يعيب على بعض قادة قومه مكاتبة الفرنسيين.
وتوفي رحمه الله بنواحى بئر أم اگرين سنة 1972.
اليوم يعاد الاعتبار للمجاهد البطل إسماعيل ولد الولى ولد الباردى(ابياه)، بإطلاق اسمه على المعبر الحدودي الرئيسي بين موريتانيا والجزائر.
خطوة تذكر فتشكر
كامل الود
سيد محمد