حسين لقرع: كاتب وإعلامي جزائري محرر في صحيفة الشروق
لا شكّ أنّ اغتيال القائد والمجاهد الفلسطيني الفذّ، إسماعيل هنيّة، بطهران هو ضربة موجعة لحركة “حماس” وللمقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها وللأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم الرافضين للاحتلال والطغيان والظلم حيثما كانوا، لكنّ الأكيد أنّ هذا الاغتيال لن يفتَّ في عضد المقاومة ولن يكسرها، بل سيزيدها قوّة ووهجا واشتعالا.
ماذا كسب الاحتلال حينما اغتال مؤسّس “حماس” الشيخ أحمد ياسين ثم الرنتيسي والجعبري وصلاح شحادة وآخرين في فلسطين وخارجها؟ هل انهارت “حماس” والمقاومة الفلسطينية، أم ازدادت قوة وصمودا بمرور الأيام وأصبحت ضرباتها أكثر إيلاما بدليل غزوة 7 أكتوبر المباركة والملاحم المتواصلة طوال 300 يوم من القتال الضاري الذي مرّغ أنف جيش الاحتلال في أوحال غزة؟
منذ إنشاء هذا الكيان اللقيط في 1948 إلى اليوم، تمكّن من تنفيذ أزيد من 2700 عملية اغتيال لقادة ومقاومين وسياسيين فلسطينيين وعرب داخل الأراضي المحتلّة وفي شتى دول العالم، لكنّ ذلك لم يقض على المقاومة، بل جعلها تصرّ على تطوير قدراتها العسكرية لتصبح أكثر فاعلية وإيلاما للعدو، فانتقلت من الكلاشينكوف والعبوّات الناسفة بدائية الصنع إلى الصواريخ التي تضرب تل أبيب وما بعدها وتجبر ملايين المستوطنين على الهروب إلى الملاجئ كالفئران المذعورة، وطوّرت طائرات مسيّرة، وكذا عبوّات “شواظ” وقذائف “الياسين 105” التي فجّرت إلى حد الساعة نحو 1700 دبّابة وآلية عسكرية للعدو، والقادم أفضل، بإذن الله، ولذلك لن يفيد الاحتلال اغتيال العاروري أو هنية أو غيرهما من قادة “حماس” السياسيين والعسكريين، بل سيكون وبالا عليه.
صحيح أنّ هنية، رحمه الله، كان قائدا سياسيا عظيما ومحنّكا، ومجاهدا صلبا، وقدّم الكثير للمقاومة في غزة، وكان وبقيّة القادة كالسنوار والضيف وأبي عبيدة وغيرهم وراء غزوة 7 أكتوبر التي بدأت تغيّر التاريخ في فلسطين والمنطقة، واستشهاده خسارة لـ”حماس” والمقاومة، لكنّنا متأكّدون أنّ ذلك لن يكسر إرادتها، بل سيحفّزها ويقوّيها، وسيبرز من يخلفه باقتدار، ويواصل مسيرة الجهاد وتطوير المقاومة حتى تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، بإذن الله، ويومئذ يشفي الله صدور قوم مؤمنين، ويخزي الصهاينة وداعميهم الأمريكيين والغربيين وكذا المتصهينين العرب الذين خذلوا المقاومة طولا وعرضا، وتآمروا عليها، وسعوا في القضاء عليها، ووصلوا إلى درجة عرض إرسال قوّاتهم إلى غزة لإدارتها بعد الحرب حتى لا تعود “حماس” لحكمها.
خلال الثورة الجزائرية المجيدة، اغتال الاستعمار الفرنسي كبار قادتها وأبرزهم مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي وديدوش مراد، وهم من جماعة الستة المفجّرين لثورة أول نوفمبر 1954، واغتال قادة آخرين فاعلين مثل عميروش وسي الحوّاس والعقيد لطفي وغيرهم… وقرصن طائرة خمسة من قادة الثورة في الخارج وهم: بن بلة وآيت أحمد وبوضياف وخيضر ومصطفى الأشرف في 22 أكتوبر 1956، وغيّبهم في سجونه اعتقادا منه أنّ قطع رأس الثورة، بالاغتيالات وغياهب السجون، سيسهّل عليه مهمّة القضاء عليها، لكنّ ذلك كلّه لم يزد الثورة الجزائرية إلا اشتعالا وانتشارا إلى أن استطاعت دحر الاحتلال وطرده إلى غير رجعة في 5 جويلية 1962 بعد تقديم تضحيات جسيمة وسيل من الدماء، والتاريخ يعيد الآن نفسه بحذافيره في فلسطين.
لا ريب أنّ المقاومة الفلسطينية ستعرف كيف تثأر للقائد والشهيد العظيم إسماعيل هنية، لكنّ ينبغي أن نلفت الانتباه إلى أنّ معرفة مكان إقامته بدقة في مبنى يخضع لحماية الحرس الثوري الإيراني شمال طهران واغتياله هناك، وقبله بساعات قليلة استهداف ثاني رجل في “حزب الله” بضاحية بيروت، يؤكّد أنّ هناك اختراقا استخباراتيا صهيونيا وأمريكيا وغربيا كبيرا لإيران و”حزب الله” معا، وعليهما تدارك الأمر في أقرب وقت؛ لأنّ هاتين العمليتين النوعيتين تؤكّدان أن الاحتلال قادر على الوصول إلى المرشد علي خامنئي والرئيس بزشكيان وحسن نصر الله وبقيّة القادة في إيران ولبنان واغتيالهم بسهولة، كما ننتظر أن يكون ردُّهما واسعا وعلى قدر هاتين الجريمتين المهينتين اللتين استباح فيهما الاحتلال عاصمتيهما، وليس ردّا محدودا لحفظ ماء الوجه فحسب.