بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على النبي الكريم
ثلاثية ابن عاشر جسر تواصل بين المغرب وبلاد شنقيط
الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الامام
أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة
الأمين العام لمنتدى علماء موريتانيا وافريقيا
مقدمة
نريد فى المبتدإ أن نصطلح على المحددات المعرفة لهذا العنوان فما ذا نعني بمصطلح ثلاثية ابن عاشر و أما المغرب وبلاد شنقيط فلسنا نحتاج لتحديد الدلالة لهذين العلمين ..
نعني بهذا المصطلح ثلاثة مناهج فكرية محض لها العلامة أبو مالك عبد الرحمن بن أحمد بن علي ابن عاشر الأنصاري الفاسي المتوفى 1040هجرية كتابا قال بأنه ألفه على وفق المقتضيات المعرفية والمنهجية لهذه الثلاث فى دلالتها العقدية والثقافية
قال فى كتابه
يقول عبد الواحد بن عاشر مبتدئا باسم الاله القادر
الحمد لله الذى علمنا من العلوم ما به كلفنا
صلى وسلم على محمد وآله وصحبه والمقتدي
وبعد العون من الله المجيد فى نظم أبيات للأمي تفيد
فى عقد الأشعري وفقه مالك وفى طريقة الجنيد السالك
تقوم هذه الثلاثية على الجمع والتضامن المعرفي والمنهجي بين مذهب مالك وعقيدة أبي الحسن الأشعري وتصوف الجنيد البغدادي بحيث أصبح الانتساب إلى أحدها يحيل بالضرورة الى الانتساب للآخر ..
ولأن هذه الثلاثية تجمع بين اختيارات محددة من حقول معرفية منهجية يمكن الائتلاف بينها كما يمكن عدم الائتلاف و كان الجمع بينها بصفة دائمة عنوانا لمرجعية مؤسسة لشخصية مسلمة متميزة عن غيرها فى انسجام بين المعتقد والفقه والتصوف ..
فمتى تم التوافق بين هذه الثلاث ومتى حصلت هذه المرجعية على إجماع ساكنة المغرب وبلاد شنقيط ؟
لم يكن دخول المذهب الأشعري لهذه المنطقة حدثا عابرا، وإنما تميز بكونه عرف تأصيلا وترسيما وتطورا امتد من القرن الخامس الهجري إلى يومنا هذا.
وقد كان لجامع القرويين فضل كبير في نشر هذه الثلاثية إذ كانت محل عناية شيوخه الذين كانوا يقومون على تدريسها ويؤلفون في شرحها وتحليلها إلى عهد قريب..
و تختلف آراء الباحثين في أول من أدخل مبادئ الفكر الأشعري إلى الغرب الإسلامي، إلا أنها جميعها تكاد تجمع على أن إرهاصات هذا الفكر ظهرت في القرن الرابع الهجري. ومنهم من يزعم أنه كان في حياة أبي الحسن الأشعري.
ومن المؤكد أن هذا الفكر كان موجودا ومعروفا زمن المرابطين، وقد دل على ذلك استقراء لمختلف الأدبيات التي أرخت للفكر الأشعري ومن ذلك ما أورده محمد بن تاويت الطنجي في تقديمه لكتاب "ترتيب المدارك" (1)،
الذى يقول عن المدرسة الأشعرية المغربية أيام المرابطين: "هذه المدرسة المغربية كانت على علم تام بالجدل والمناظرة وأصول الدين والكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري، وإن كتب الأشاعرة في علم الكلام كانت معروفة بين رجال المغرب يتدارسونها في كافة أنحاء المغرب.."، ومما يؤيد كلام ابن تاويت هذا ما لمح إليه الناصري في "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" حيث يقول بعد أن نقل كلام ابن خلدون(
2) وانتصر له، ثم تحفظ قليلا فقال: "... وإن كان (المذهب الأشعري) قد ظهر في المغرب قبل ابن تومرت ظهورا ما..."(3)
كيف دخل الفكر الأشعري إلى المغرب؟
ترجح بعض الدراسات أن يكون الفكر الأشعري قد دخل المغرب الأقصى مباشرة وبالضبط إلى مراكش العاصمة زمن المرابطين، قبل أن ينتشر في أماكن أخرى من المغرب العربي، بدليل منشأ ومسكن ووفاة أبي الحسن المرادي الحضرم) الذي عاش فى زمن دولة المرابطين و حيث يوجد ضريحه بمدينة أزوكي قرب أطار عاصمة ولاية آدرار الموريتانية .
يعتقد كثير من الباحثين المختصين بالتاريخ الإسلامي والثقافي لبلاد موريتانيا أن الفضل في دخول المعتقد الأشعري إلى بلاد شنقيط يرجع إلى أحد أبرز فقهاء الدولة المرابطية، وهو الإمام أبو بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي المتوفى 489) هـ/1094م).
ومما يرجح هذا الاعتقاد قول ابن الزيات في كتابه التشوف: وكان محمد بن الحسن الحضرمي المعروف بالمرادي أول من أدخل علوم الاعتقادات بالمغرب الأقصى.»
جاء في كتاب "الغنية" وهو الكتاب الذي ترجم فيه عياض لشيوخه ما يلي: "الحسن المرادي الحضرمي هو أول من أدخل علم الاعتقاد إلى المغرب الأقصى".
فكان المرادي الحضرمي أول من أدخل علم الاعتقاد للمغرب، نفهم من ذلك، أن دراسة هذا الفن كانت لأول مرة بمراكش قبل غيرها من البلدان.."
كما تذكر بعض الروايات أن أبا الحجاج يوسف بن موسى الكلبي (ت 520هـ) هو أول من اشتغل بالفكر الأشعري وعلمه ودرسه للمغاربة..
وفي هذا الصدد يقول صاحب الغنية" وهو يتحدث عن شيوخه في علم الكلام، والعقيدة الأشعرية ما يلي: "..أن أبا الحجاج يوسف بن موسى الكلبي كان من المشتغلين بعلم الكلام، على مذهب الأشعرية بالمغرب، وقرأت عليه أرجوزته الصغرى في الاعتقاد... وهو من تلاميذ أبي الحسن المرادي الحضرمي.."
وباستقرائنا لمختلف الأدبيات التي أرخت للمذهب الأشعري في الغرب الإسلامي، وخصوصا في مراحله الأولى نجدها تفيد أن هذا المذهب قد عرف رجالات تمثلوا العقيدة الأشعرية، والتزموا بمبادئها وأفكارها.. حيث شهدت الفترة الممتدة من وفاة أبي الحسن الأشعري (ت324هـ) إلى بداية القرن السادس الهجري بروز نخبة من المفكرين المغاربة العائدين من المشرق، وهم متشبعون بالفكر الأشعري، بعد أن استقوه من ينابيعه الأصلية..
ومع أن هؤلاء قد سعوا إلى تعميم هذا الفكر ونشره بين أوساط الناس، فإن الطابع الفردي في تمثل هذا المذهب ظل هو الطابع المميز لهذه الفترة. إذ لم يتعد هؤلاء مجالهم الخاص في التزامهم بهذا المبدأ، حيث ظلت دائرة تمثيل هذا المذهب لا تتعدى دائرة الأصحاب وبعض الأتباع القلائل.
وإذا كانت الدولة المرابطية لم تتبن المذهب الأشعري مذهبا رسميا للدولة، مما ضيق من أفق انتشار هذا المذهب في الأوساط العامة، لاعتبارات سياسية وتاريخية آنية، ، فإن ذات الأسباب- أعني الظرفية السياسية والتاريخية- ستكون وراء تشبث الموحدين بالعقيدة الأشعرية ومحاولة تثبيتها وجعلها مذهبا رسميا للدولة الموحدية.
لذلك عمل المنظرون في الدولة الموحدية على تثبيت دعائم هذا المذهب وترسيمه وسخروا مختلف الآليات الراهنة لفرض هذا الفكر.
وضمن هذه السيرورة التاريخية، والتدافعات السياسية، فرض الفكر الأشعري نفسه موضوعا لنقاشات كلامية متقدمّة، إن على مستوى العرض والتحليل، أو على مستوى الإحتجاج للمسائل العقدية.. فبرز مفكرون كبار أدلوا بدلوهم في هذا الشأن..
ومما يترجم ذلك مختلف المجهودات النظرية التي قام بها هؤلاء من أمثال أبي الحجاج يوسف بن موسى الضريري، ومهدي الموحدين محمد بن تومرت، وأبي بكر بن العربي المعافري، وأبي عمرو عثمان السلالجي في تدعيم المذهب الأشعري، وإرسائه مذهبا رسميا للبلاد.
وما ألطف قول القائل:
الأشعريــــــــةُ قــــــــومٌ * قد وُفقوا للصوابِ
لم يخرجوا في اعتقاد * عن سنة وكتابِ
فقهاء المالكية يزكون مذهب الأشعري
ساهمت دولة المرابطبن في الصحراء فى ترسيخ المذهب المالكي وتشجيع تدريس كتبه، وتقريب الفقهاء المالكين وإشراكهم في تسير الدولة .
وبذلك ”رسخت بين صفوف صنهاجة الصحراء الإسلام السني على المستوى العقدي ونشرت المذهب المالكي على الصعيد الفروعي، “.
وقد أسهم علماء المذهب المالكي في التمكين للعقيدة الأشعرية السنية الجماعية
وترسخيها بين الخاصة والعامة، وجعلها تحظى بالقبول لدى أولي الأمر، وذلك من خلال فتاوى علمية صادرة عن مشيخة علماء
المالكية فى عهد ابن تاشفين .
فقد سأل أمير المسلمين الخليفة يوسف بن تاشفين (ت500هـ) الإمام الفقيه ابن رشد الجد (ت520هـ) عن حقيقة العقيدة الأشعرية وبعض أعلامها، وكان جواب ابن رشد الجد منصفا غاية الإنصاف لهذه المدرسة السنية الجماعية وأعلامها.
وهذا نص سؤال أمير المسلمين يوسف بن تاشفين- رحمه الله-: “ما يقول الفقيه القاضي الأجل الأوحد، أبو الوليد، وصل الله توفيقه وتسديده، ونهج إلى كل صالحة طريقه، في الشيخ أبي الحسن الأشعري، وأبي إسحاق الأسفرايني، وأبي بكر الباقلاني، وأبي بكر بن فورك، وأبي المعالي، وأبي الوليد الباجي، ونظرائهم، ممن ينتحل علم الكلام، ويتكلم في أصول الديانات، ويصنف للرد على أهل الأهواء، أهم أئمة رشاد وهداية، أم هم قادة حيرة وعماية؟ وما تقول في قوم يسبونهم، وينتقصونهم، ويسبون كل من ينتمي إلى علم الأشعرية، ويكفرونهم، ويتبرؤن منهم، وينحرفون بالولاية عنهم، ويعتقدون أنهم على ضلالة، وخائضون في جهالة، فماذا يُقال لهم، ويُصنع بهم، ويُعتقد فيهم؟ أيتركون على أهوائهم أم يكف عن غلوائهم؟ وهل ذلك جرحة في أديانهم، ودخل في إيمانهم؟ وهل تجوز الصلاة وراءهم أم لا؟ بين لنا مقدار الأئمة المذكورين، ومحلهم من الدين، وأفصح لنا عن حال المنتقص لهم، والمنحرف عنهم، وحال المتولي لهم، والمحب فيهم مجملا مفصلا، ومأجورا إن شاء الله تعالى.
فأجاب ابن رشد- رحمه الله-: تصفحت- عصمنا الله وإياك- سؤالك هذا، ووقفت عليه، وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وهدى، وممن يجب بهم الاقتداء، لأنهم قاموا بنصر الشريعة، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالة، وأوضحوا المشكلات، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات. فهم بمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة، لعلمهم بالله عز وجل، وما يجب له، وما يجوز عليه، وما ينفى عنه، إذ لا تعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول. فمن الواجب أن يعترف بفضائلهم، ويقر لهم بسوابقهم، فهم الذين عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين). فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة إلا غبي جاهل أو مبتدع زائغ عن الحق مائل، ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق. وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾. [الأحزاب: 58] فيجب أن يبصر الجاهل منهم، ويؤدب الفاسق، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق، إذا كان مستسهلا ببدعة، فإن تاب وإلا ضرب أبدا حتى يتوب، كما فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بصبيغ المتهم في اعتقاده، من ضربه إياه حتى قال: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد دوائي فقد بلغت مني موضعَ الداء، وإن كنت تريد قتلي فأجهز علي، فخلى سبيله. والله أسأله العصمة والتوفيق برحمته، قاله محمد بن رشد.
و يتفق معظم المؤرخين الإمام أبا بكر المرادي الحضرمي قاضي المرابطين (ت489هـ )، أول من أدخل العقيدة الأشعرية إلى الصحراء، وهو مؤلف كتاب : ” الإشارة في تدبير الإمارة”.
تحدثنا فيما مضى عن الأشعرية ومذهب مالك وبقي الحديث عن الضلع الثالث من أضلاع المثلث الا وهو التصوف .
فأما التصوف فلسنا نطيل فى اشتقاقه ولا فى تأصيله لكننا نهتم بالتأريخ لحضوره فى هذه المنطقة .
لقد شاع التصوف وانتشر منذ عصر الدولة العباسية، لاتساع الفتوحات وركون المسلمين إلى حياة الترف والبذخ مما ولد نفورا من تلك الحياة المادية والاتجاه نحو الزهد والانقطاع للعبادة، ولشيوع العقيدة الفاسدة في بعض أقطار العالم الإسلامي الكبير.
وهكذا جاءت بدايات التصوف في المائة الأولى والثانية للهجرة
وقد عرفت فى بلاد المغرب الاسلامي طرق صوفية كثيرة فظهرت القادرية القادمة من العراق والشاذلية القادمة من مصر والتجانية التى يعود تاسيسها الى شيخنا سيدي أبي العباس التجاني دفين فاس المغربية .
ومن الظروف التاريخية التي شجعت على التصوف في بلاد المغرب ما حصل من: منع لعلماء المذهب من الفتوى والتدريس حيث استحر القتل فيهم بسبب اضطهاد العبيديين فتوجه أغلب من بقي منهم إلى التصوف، والابتعاد عن واقع الناس حتى صار تدريس التصوف هو موضوع الحلق بدلا من تدريس الفقه والأصول.
ولقد كان لرحلات العلماء من شنقيط الى المغرب ومن المغرب الى بلاد شنقيط دور أساسي فى توحيد المرجعية العقدية وترسيخ ثلاثية ابن عاشر
المتمثلة فى معتقد الاشعري وفقه مالك وتصوف الجنيد بين ساكنة الصحراء فى بلاد شنقيط ومدائن فاس ومكناس والرباط وبلاد السوس ..
لقد ساهم علماء مغاربة زاروا شنقيط فى ترسيخ هذه المرجعية الثلاثية من أمثال
1. نور الدين أبو الحسين على بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري العالم النحوي، المتوفى عام 724هـ، رحل من المغرب إلى بلاد التكرور(موريتانيا)، ودرس بها القرآن ثم قدم القاهرة، وأخذ عنه العربية بها جماعة من بينهم جمال الدين الأسنوي وغيرهم.
2. أحمد الذهبي: الشريف التلمساني، الفقيه، رحل إلى مدينة شنقيط في أواخر القرن العاشر أوائل القرن الحادي عشر، وأقام بها مدة، يدرس علوم الدين، وهو أول من درس مختصر خليل بن إسحاق في موريتانيا،
3. الشاب الشاطر: وهو شريف علوي حسني من أهل مدينة فاس ذكره البرتلي باسم: الشريف الشاب، وقال إنه كان حيا في عام 1045هـ، وأشاد بعلمه، وقد انتخب أربعة من نوابغ الطلاب ليعلمهم ولما أراد السفر قال لهم ”تركت فيكم المحمدين والعبدلين“. وقد أختار من هذه المجموعة الطالب محمد بن الأعمش الذي هو أحد المحمدين، ولم يعين صاحب الوسيط من العبدلين سوى القاضي عبد الله بن الطالب محمد قائد هجرة العلوين من شنقيط إلى بلاد
كما كان لعلماء شناقطة رحلوا الى المغرب دور فى ترسيخ هذه المرجعية الجامعة من أمثال
1. ابن رازكة: وقد ترجم له البرتلي، فيقول: عالم فذ كان عارفا بعلم الأصول، وماهرا في المنطق، أخذ عقائد أهل السنة، وعلم المعاني والبيان والمنطق ممن أدركه من علماء المغرب الأقصى والسوس الأدنى كالسيد أحمد العطار، وأبي مدين القاضي الأكبر، وغيرهما.
ومن تلاميذ ابن رازكة الذين اشتهروا بعده ونشروا العقيدة الأشعرية على نطاق واسع المختار بن بون حامل لواء الأشعرية.
2. الشيخ محمد عبد الله بن أبي بكر: درس على الشيخ أحمد الحبيب اللمطي السجلماسي القراءات العشر، وعلوم أخرى، وعاد إلى أهله بمكتبة كبيرة، وقد وصفه البرتلي بقوله:
”كان إماما جليلا، صدرا من صدور العلماء بحرا من مفاخر النجباء، لا تكدره الدلاء، محبا للسنة مميتا للبدعة انتهت إليه رئاسة الإقراء ببلاد التكرور في زمانه وبعد صيته.“
3. العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم، الذي رحل إلى الحج وفي طريق عودته مر بالمغرب ومكث فيها عدة سنوات فدرس العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي على عدد من علماء المغرب منهم: الشيخ البناني محشي شرح عبد الباقي الزرقاني، على مختصر خليل بن إسحاق، والشيخ التاودي المعرف بابن سودة، وعمر الفاسي شارح اللامية. كما أخذ أيضا الطريقة الشاذلية، وعاد إلى بلاده حاملا معه مكتبة ضخمة.
4. محمد الحافظ بن محمد المختار بن حبيب العلوي المتوفى عام 1236هـ، لأداء مناسك الحج وفي عودته هو الآخر بالمغرب استقر فيه عدة سنوات، وأثناء إقامته في مدينة فاس، لقي بها أحمد بن محمد المختار التيجاني المتوفى عام 1230هـ وأخذ عنه طريقته، ثم عاد إلى بلاده بعد أن نهل من العلوم والمعارف فأصبح أشعريا تيجانيا مشهورا.
والخلاصة أن هذه الثلاثية قد استحكمت نفوس المغاربة كما استحكمت فى نفوس الشناقطة بحيث أصبحت معرفة للإنسان فى هذه المنطقة .
ولم يسلم من ذلك حتى الملوك الذين أصبحوا يعرفون أنفسهم وفقها فهذا الملك عبد الحفيظ، بن الحسين فى تقريظ له على كتاب للشيخ محمد حبيب الله بن مايابي الشنقيطي يقول فيه : كتبه عبد الحفيظ المالكي مذهبا والأشعري عقيدة.
ولقد اعتبر الشناقطة مذهب مالك أرجح المذاهب ولذلك تمسكوا به وألفوا فى أصوله
قال سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم فى مراقي السعود
هذا وحين قد رأيت المذهبا
رجحانه له الكثير ذهبا
وما سواه مثل عنقا مغرب
في كل قطر من نواحي المغرب
أردت أن أجمع من أصوله
ما فيه بغية لذي فصوله
ونخلص الى القول بأن ثلاثية ابن عاشر فى المعتقد والعبادة والسلوك ظلت أكبر جسر سالك ورباط منيع يجمع بين المغرب وبلاد شنقيط منذ قرون والى اليوم
والسلام عليكم ورحمة الله .
انواكشوط 22ابريل 2024