عودة بكرامة: عندما فتح سيدي ولد الشيخ عبد الله صفحة جديدة للعائدين
في التاسع والعشرين من يونيو 2007، وقف الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله أمام الشعب الموريتاني، ليعلن في خطاب تاريخي خطوة هامة نحو المصالحة الوطنية؛ حيث تقدم باعتذار رسمي لكل الموريتانيين الذين تم تهجيرهم في فترات سابقة، معلنًا عن عودتهم إلى وطنهم بكرامة، مع ضمان توفير سكن ملائم وكامل حقوقهم المدنية والاجتماعية.
في إطار هذه المبادرة، تم إنشاء الوكالة الوطنية لاستقبال ودمج اللاجئين العائدين، وتكليف موسى فال بإدارتها، كانت مهمتها محورية في تنفيذ برامج عاجلة وشاملة لدعم العائدين، الذين كانوا يعانون من تدهور أوضاعهم بعد سنوات من الشتات.
كنت وقتها مراسلا لقناة MBC استدعاني موسى فال إلى مكتبه؛ وعرض علي مرافقته في جولة ميدانية عبر قرى الضفة، بهدف لقاء العائدين وتوضيح ما تحمله لهم الوكالة من برامج دعم؛ خاصة البرنامج الاستعجالي، الذي أطلق في فبراير 2007، يهدف إلى تقديم مساعدات فورية تشمل توزيع 700 ألف أوقية ومواشٍ وأراضٍ زراعية مستصلحة للمزارعين، مع تعهد بتوفير تجهيزات أخرى للتعامل مع احتياجاتهم اليومية.
خلال الجولة عقد موسى فال سلسلة من الاجتماعات مع العائدين في القرى التي زارها؛ في تلك الاجتماعات، كان يشرف بنفسه على تسليم مساعدات مادية تمثلت في مواشي للمنمين وأراضٍ زراعية مستصلحة للمزارعين. كما قدم لهم ضمانات بتوفير المزيد من المساعدات والمعونات لضمان تسهيل عملية اندماجهم مجددًا في المجتمع.
في حي "توليل جيري" بروصو، جلس موسى أفال ووفده تحت عريش أُعد خصيصًا لاستقبالهم، حيث اجتمع بأربعة عشر أسرة من العائدين؛ وسط أجواء يملؤها الترقب، سلّمهم 28 بقرة حلوبًا، و70 رأسًا من الغنم، وعشرات الدجاج، في خطوة تعكس بارقة أمل لحياة جديدة.
كان أومار، أو "عمارو" كما يُنادى، رجلاً خمسينيًا من العائدين، يغمره السرور وهو يتأمل المساعدات التي تلقاها؛ لكن عينيه ظلتا معلقتين ببقرته، يتحسسها من حين لآخر وكأنها كنزه الثمين، يفضلها على باقي الأغنام والدجاج، وكأنها رمز لعودته واستقراره.
طلب من أحدهم أن يلتقط له صورة إلى جانبها، وكأنما أراد أن يُخلد لحظة استعادة جزء من حياته القديمة، أو ربما بداية جديدة أكثر أمانًا.
كانت أكبر التحديات التي واجهت موسى أفال في جولته هي مخاوف العائدين، الذين كانوا مشبعين بالشكوك نتيجة سنوات من العزلة والهجرة القسرية؛ لذلك كان حريصًا على تبديد هذه المخاوف، وتوضيح أن الحكومة جادة في تنفيذ مشاريع تنموية هامة لصالحهم، مؤكداً أن الدراسات المتعلقة بتلك المشاريع ستُقدَّم إلى شركاء موريتانيا في التنمية لطلب الدعم المالي.
وأكد موسى أفال خلال مختلف لقاءاته أن هذه المشاريع ستشمل بناء البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والمدارس والمراكز الصحية ونقاط المياه، إضافة إلى استصلاح الأراضي الزراعية وبرامج التكوين المهني.
كان موسى فال يحمل في جعبته العديد من الوعود الجادة والمستقبلية، إذ كان يطمح إلى إحداث تغيير حقيقي في حياة العائدين من خلال هذه المشاريع، مؤكداً أن الحكومة ملتزمة بتوفير الدعم المستمر، وأن هذه الجهود هي خطوة أولى نحو بناء وطن موحد ومتقدم.
في كل حديثه، كان موسى فال يؤكد على أن عملية العودة والدمج وتسوية الإرث الإنساني ليست مجرد خطوة سياسية، بل ضرورة حتمية لبناء وطن موحد، حيث يتمتع جميع المواطنين بحقوقهم كاملة، دون تمييز أو استثناء.
بشير ببانة