أية مصادفة، أعطت لهذا اليوم العظيم تميزه عن الأيام الأخرى في تاريخنا، وحاضرنا العربي، فصار مَعلما بهذه الذكرى المضاعفة التي ستخلدها أمتنا في تاريخها المعاصر، كبداية لمرحلتين فارقتين، ارتبط تأثيرهما الفعال بمدينة غزة المجاهدة، والدفاع عن قضية الأمة العربية في فلسطين…؟!
وكان ميلاد جمال عبد الناصر في الإسكندرية من عرب قرية ” بني مر” في 15 من يناير1918م ، واكتمل وعيه القومي في “غزة”، يوم كان قائدا لإحدى كتائب الجيش العربي المصري في دفاعه عن فلسطين،، وقضى في المواجهة ستة أشهر محاصرا في ” الفالوجة” سنة ١٩٤٨م.
ومن مخبئات التاريخ بين أحداثه، أن للهدنة التي أوقفت القتال يومها، كانت غير محسوبة، ليخرج جمال عبد الناصر من الحصار مثخنا بالجراح في جبينه، وكل الظروف تدعوه ليخطط – وهو استاذ الاستراتيجيا العسكرية في الكلية العسكرية – على محو آثار الاحتلال الصهيوني بالتغيير في مصر، واسقاط النظام الملكي المهادن للانجليز الذين كانوا مصدر كل الإجرام في فلسطين، ومصر، والأردن، وغيرها في الوطن العربي…
ad
وقد أطر سياسيا – في فترة وجيزة – تنظيم الضباط الأحرار، ليقوم بثورة ال 23 من يوليو 1952م.
وتصبح قضية تحرير فلسطين هي قضية الأمة الأولى، وواجه بسببها، وبمسانته للثورة في الجزائر، ذلك العدوان الثلاثي سنة 1956م. الذي جعل من مصر الثورة قبلة الأحرار، وكان تحرير فلسطين أم القضايا التي أخذت تفكير القائد، وربما في سبيلها، ساند حركات التحرر العربي، واستجاب لوحدة قطري الجمهورية العربية 1958م.
إن تميز هذا اليوم، ال 15 من يناير في هذه السنة باستسلام العدو الصهيوني للمقاومين في فلسطين بقيادة غزة المجاهدة، إنه لنصر عظيم، رفع هامة الأمة، وربط بين الماضي المجيد في النضال المشرف، وهذا الحاضر، المقاوم بصور يعجز التفكير، و الخيال عن تصور النصر الذي تحقق على أيدي حركة المقاومة الوحدوية في كل من غزة، ولبنان، واليمن، والعراق..حين توحدت قوى الساحات العربية في مواجهة العدوان الصهيوني الذي انهزم منذ “طوفان الاقصى” في 7 من اكتوبر2023م. وإن بقي ، يراوغ، ويخادع نفسه، ويدعمه العدوان الأمريكي الهمجي على الأبرياء، وكان هدفهما من ذلك، أن يثنيا المقاومين عن مواصلة الانتصارات تلو الانتصارات في معركة طوفان الأقصى طيلة سنة وخمسة اشهر، حتى أذعن ” النتن ياهو” للأستسلام الحقير، ووجهه مسنود بذقنه على صدره الذي يفور غضبا، وعصابا..
بينما أبو عبيدة، الناطق الرسمي باسم كتائب القسام، يردد برنات صوته المجلل، وكأنه على علم من الله تعالى – ولا يعلم الغيب إلا هو سبحانه وتعالى – بيقين ما ستكون عليه النهاية المخزية للصهاينة:
” يا ابن اليهودية” ما أنت بقادر علينا، مهما أرسلت من مجرميك، واندفعت إلى الخلف مختبئا في الأقبية، تاركا كلابك من البشر، يقتلون الأبرياء، وينهشون لحوم الأموات في شوارع غزة..لكنا سنهزمكم، ولندكنكم بصواريخ ” فلسطين1, 2 اليمانية..”
إنه لنصر مستحق، شاهدناه في افراح ابناء غزة رجالا ونساء، وهم يرقصون، ويهللون، ويدبكون لأطفالهم، هؤلاء الذين هم أبطال الأمة، ومحررو فلسطين في المستقبل القريب، كما هو حال شبابهم، وهم صانعو هذا المجد العظيم، لأمة خنا عليها زمانها بقادة من أرذل الأقزام، وأكثرها وضاعة ، لذلك نكتب عن الانتصار بلغة مشاعرنا المهتاجة فرحا، وغضبا معا، ونفوسنا اكثر ألتياعا، وقلوبنا منشرحة طربا، وبهجة، وعقولنا مطمئنة بالإيمان بحتمية النصر المبين الآتي مع الصمود، لثوار غزة، وصبر أهلها، ورصيد الكرامة في نفوسهم التي لا تقهر،،وإدراكهم المبكر بأن النصر ينتزع بالقوة من الصهاينة الأعداء،، وأن الواهم، هو من ينتظر من العدو الصهيو- أمريكي، أن يتنازل عن حقوق اغتصبها،، وسيبقى الواهم هذا منتظرا إلى يوم الدين، لأن الحقوق لا تعطى، وإنما تنتزع غلابا، ” وما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها” على حد تعبير جمال عبد الناصر.
والعجب، العجاب ممن ينتظرون من الرأي العام العربي، ومن الحكام المتصهينين، أن تتبرع عليهم- ولو بأنصاف الحلول – هذه القيادة الأمريكية الحالية، أو تلك القادمة في الأسبوع المقبل، وكل منهما مجرمة، ومشاركة في اغتصاب الحقوق العربية في فلسطين ، إن من يعتقد ذلك، إنه لمسكين، والله، إنه لدرويش مهبول، ولو أنه يستحق التعاطف نظرا لسذاجته، لكن لا يستحق، أن تلامس يده المتصهينة المدنسة، ولكن لك أن تسمعه ما يعجز تفكيره عن إدراكه، ويغيب وعيه عن فهم حقيقته.. لأنه لم يسأل العارفين عن حقيقة أمريكا، ففي كتاب الراحل نديم البيطار ” هل يمكن الأحتكام الى الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع العربي الإسرائيلي” ؟!
وهو كاتب مفكر عربي وحدوي، و قضى أكثر من خمسين عاما يدرس في جامعات امريكا، وألف العديد من الكتب في السياسة، وحصرا في مجالات: الوعي العربي، والتحرر العربي، واسباب التجزئة، والوحدة العربية، والحق العربي في فلسطين، وكيف يسترد؟
وقد تتبع المؤلف اتجاهات الرأي العام الأمريكي بما يسمى ” الدرسات الميدانية التتبعية” على مراحل، وحدد عوامل التأثير الداخلية، والخارجية في مواقف الرأي العام الأمريكي، وسياسة قادة أمريكا، لذلك خلص إلى النتيجة التالية: (( كسب الرأي العام الأمريكي، يحتاج علاوة على ذلك معالجة الضعف العربي، ودون هذه المعالجة، لا يمكن له ، أن يقود إلى النتيجة التي نبغيها منه، وهي تغيير سياسة أمريكا الصهيونية، ولكن الحقيقة الموضوعية، هي أنه دون هذه المعالجة، لا يمكن لنا كسبه، وإن صرفنا ألف مرة أكثر مما تصرفه حاليا، الحكومات، ومكاتب الإعلام العربية في أمريكا ، الوقائع والحقائق التي أشرنا إليها – في الدراسة – تكشف بوضوح، أن الاتجاه إلى الرأي العام الأمريكي، لا يمكن ، أن يقود إلى أية نتيجة يمكن أن تعدل سياسة أمريكا الصهيونية، وأن كل محاولة في هذا السبيل، هي إضاعة للوقت، وبعثرة لجهود، وطاقات، يجب أن تبذل في صعيد آخر- ألا وهو – ” معالجة الضعف العربي”، ولكن معالجة هذا الضعف، تعني أولا، وقبل كل شيء، وفوق كل شيء، معالجة التجزئة المتزايدة، والتجزء، وقيام دولة الوحدة، أو على الأقل تحقيق خطوة، أو خطوات كبيرة نحوها، تمتد على الأقل إلى الأقطار، أو بعض الأقطارالمحيطة بالأرض المحتلة، وكل قول بتجديد الحياة العربية…))
فهل غيرت أمريكا سياستها العدوانية، حتى نراجع مواقفنا المبدئية منها،، وقد أكدت حروب العدو الصهيوني على امتنا، أن امريكا شريك سافر الوجه في كل المؤامرات، و في جرائمهما منذ الحرب سنة 1967 إلى الإبادة الجماعية على مجتمعنا في غزة وجنوب لبنان منذ ٢٠٢٣ إلى غاية كتابة هذا المقال ..؟!
كاتب عربي موريتاني