نساء من المنتبذ القصي سيد محمد

نساء من المنتبذ القصي

فالَه الشنگيطية

فالَه بنت أحمد ولد المُبارَك ولد الحاج حمى الله الغلاوي الشنقيطي، وأمها بنت اكليب الآكشارية، من أشهر سيدات المجتمع في المنتبذ القصي في القرن الثالث عشر الهجري، تُعرف بفالَه الغلاوية، وفالَه العلوية، وفالَه الشنگيطية، ثلاثة أسماء لسيدة واحدة.

تزوجها العلامة العارف بالله أحمد بن محم بن العباس العلوي رحمه الله، إبّان سكنه في مدينة شنقيط
كان أحمد بن محم بن العباس عالما فقيها بارزا له اطلاع واسع في التراجم والتاريخ واللغة والأدب والتصوف، جمع الكثير من المخطوطات النادرة والوثائق المهمة التي ساعدته في الحصول على معلومات جمة حول التصوف والسِّير والأعلام، كما جعلت منه مصدرا يعتمده جل من كتب حولهذه المواضيع.
ومن أشهر كتبه التى ألف كتابه (رَوْضُ شَمَائِلِ أَهْلِ الحَقِيقَةِ فِي التَّعْرِيفِ بِأَكَابِرِ أَهْلِ الطَّرِيقَةِ ) الذي حوى أمورا كثيرة لا توجد في غيره، كما أنه مرجع توثيقي هام.

رزق أحمد بن محم بن العباس، من زوجته فاله الغلاوية، ابنه محمد الكبير، وهو عالم مشارك في الفنون، وكان رفيق العلامة الشيخ محمد فال ولد باب (ابّاه)، في رحلة الحج.
من ميناء داكار بالسنغال، وحين ابتلعت اللجة الساحل، وهاج الموج تحت السفينة، ولفت الزرقة المدى، وبعد خمسة أيام من الإبحار بدت للرفيقين أعلام جزيرة "تناريف - tenerife" تلوح من بعيد.
وصلت السفينة ورست على شاطئ تناريف أكبر الجزر الخالدات "مجموعة جزرالكناري - canaria". بدت جبال تناريف أكبر من كدية "الزرگه" وجبال أوجفت فقال الشيخ العلامة الشيخ محمد فال بن باب مخاطبا رفيقه محمد الكبير، وهو من سكان أرض الحجرة على تخوم أوجفت:
أقول وقد لاحت كَنارِ جبالُها :: وأرسى بنا البابورُ صبحًا وأوجفا:
ألا هل رأى الخِلُّ (الكبيرُ) كهذه :: لدى جانب (الزرقاء) أو جنب (أوجفا)

حصل للشيخ محمد الكبير إشكال، فقرر البقاء في الديار المقدسة عاما ليُعيد حجه، ولم يرجع مع رفيقه الشيخ محمد فال(اباه).

من طريف أخبار الشيخ محمد الكبير أنه أوغل ذات رحلة جنوبا وتزوج زنجية، رزق منها بولد، وبعد مدة جلب معه الولد ليتربى في بيته وقال لربة البيت إنه غلام له.
ارتابت ربة البيت في أمر الولد، وشكت في أنه ابن زوجها من إحدى صولاته خارج الحي، فأرادت التأكد، فقالت لزوجها إنها قررت بيع الغلام، فقال كلمته الشهيرة: بيع أولاد محمد الكبير ولد العباس ابْحِرفتو !

عاشت السيدة فالَه في القرن الثالث عشر الهجري، وكانت سيدة مجتمع ذات حظوة وجمال، كمثيلاتها من شواعر وجميلات العرب مثل سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وكان لها صالونها الأدبي بمقاييس عصرها، يفد إليها الفنانون من كل حدب وصوب، وكانت مفتوحة في أژوان بارعه في الفن خبيرة بخفاياه وتفاصيله الدقيقة لا تُغفل مدره ولا برمه.

ومما حبّبها إلى الفنانين أنها كانت تنشئ الأشوار الخاصة بها، وما إن يغني الفنان أحد أشوارها حتى تطبق شهرته الآفاق، وكانت محبة ذات ذوق رفيع وحس مرهف، ولها مجموعة من الأشوار الزمنية دخلت في الخارطة الفنية داخل منظومة التدنيت، ويجهل الناس أنها لها.

يقال إنها ماتخبط التيدنيت يغير تعرف ابلد لشوار تطرح أصبعها على العبرَة وتگول لإيگيو أردس هون.

لها اكطاع مع الفنان حمادي. وكانت تخبط لوساده من دون أن تمس ازغب وهذا من مهارتها في هذا الفن.

سأل العميد محمدن ولد سيدي إبراهيم، الفنان الفذ المختار ولد الميداح رحم الله الجميع، وهو يعزف له أحد أشوارها، تساءل العميد: هيّ بأشوارها ؟َ
أجابه الفنان المختار: تخلع
وكان الفنان المختار ولد الميداح يسميها (فالَه الشنگيطية)

كانت للسيدة فاله مكانة كبيرة لدى أهل مدينة شنقيط، وكانت امرأة صالحة، مجابة الدعاء، مجربة في الاستسقاء، ذات أحوال وكشوفات.

يشبه الناس جذبها بجذب الصالح صُلاحي ول آبني التمگلاوي، ذات المدرسة والكلام المصروف عن ظاهره.

ويروى أن ابنها محمد الكبير كان يترزگى لها عن ذلك الكلام وقرر فى إحدى جلساتها أن يقعد لها مقعدا للسمع عن جنب وهي لاتشعر وأن يسجل في سجل عنده كل كلمة تقولها ثم يطلعها على ما قالت بعد ذلك.

جلس يكتب وبعد أن انفض السامر، وخلا له الجو مع أمه أخرج سجله فوجده خاليا لايحتوي أي كلمة.

توفي الشيخ أحمد بن محم بن العباس عن ابنه محمد الكبير حدثا صغيرا، وحين بلغ الحلم، قررت والدته فاله أن تذهب به إلى أهله في لعگل بمنطقة الگبله للتعرف عليهم، وحين علم أمير اترارزه أحمد سالم ولد اعلِ (بياده) بقدومها من شنقيط إلى أرض الگبلة أرسل موكبا من الفرسان لاستقبالها ومرافتها، وفعل معها ذات الشيء في قفولها إلى شنقيط، إكراما لها واعترافا بمكانتها.

من أشهر أشوار فالَه شور (اتفركيس) ويشوهد بـ ((يو گِي بوليدْ انْدَمَوْگِي))، 
ويغنى في مقام (ما يخرّص) وهو (رخُ أنتماس ) كر الجانبه الكحلة.

و(اتفركيس) من أشهر  تايات ما يخرص الستة وهي: ( التحر ار و اتوكويك، اتفركيس ، اتلاگيط ، اتقاميس و اتناعيت) وسميّت بالتّايات لأن كل شور يبدأ بحرف التاء: 
(اتفركيس) ويشوهد بـ (يو گِي بوليدْ انْدَمَوْگِي)
اتوكويك ابلا شاهد 
اتلاگيط ابلا شاهد 
اتناعيت، شاهده : هنون ألا هنون ــــ و اسكي مرجل هنون
ولخرين ابلا شواهد ، وإن كان التحرار عند مدرسة الحوظ يشوهد ب (ياللَّ عندي، آن وحدي):
ما مرگب هم :: نگبظ وحدي
ولفي وانتم :: اعل بردي

ومن أشوار فاله ردات فبياظ مكة موسى ينگالهم (تنكارَه)

وأنشأت فالَه شور (اتفركيس) لاتْماري (ترقيص) ابنها محمد الكبير ولد محم ولد العباس، (يو گي بوليد اندموگي)، وهو شور جميل الإيقاع خفيف الكلمات (احويويص) مناسب للترقيص.

جدّت عِـزّتْ :: فالَه يوگِي
وِيلَا درستْ :: درس البوگِي
و "البوگي" نوع من الخنط قديم ليس يبليه الجديد (إبّاشْ انصگل اباش جدْ).

وقد قيل فيه لأحد الفنانين:
لَينْ انّسمعْ  :: عندك يَوگِي 
يبگَ يدمع :: شيخ اعروگي

وقيل:
زينَ فالفَنْ :: عندكْ يوگي
بِيها تَمْحَنْ :: ولْ الدّوگي

من أشوار فاله (لمْجيمَّع) في مقجّوگه يشوهد بـ (يَمِّي يَمِّي يالمومنَه)

گول الفاله معمول اعليه :: لخبيط إيلا عادت تبغيه
اخبيط الواگي مخبر فيه :: و مخبر في اخبيط الرمگاني
ونعرف زاد الشور الي فيه  :: اخنيك المهر الفوگاني
غير البال النخبط شي بيه :: جاها فات او لا جاراني
إلا جاني نخبط شي فيه :: وإلا ما جاني ما جاني

ومن أشوارها شور (دُبُگْ)، وأصبح من الأشوار الزمنية لمدرسة أهل انگذيْ

وقيل فيه:
شاعر غيرك كانْ اتْلنْدَ  ::  لَيدُ يَعگبْ هَوْلُ يِمْرِگْ 
هولْ الغيركْ طُرْگُ وحدَه :: وانتَ عندكْ فالهَولْ اطرِگْ

وقيل فيه:
مداحَ بين الهيداناتْ :: اتفاگْ الدّميانْ امعَ الوُرْگْ
جابتهَ من نيلَ واعْيات :: الجّعبَه من لِخرَه تِشرگْ

رحم الله السلف وبارك في الخلف

//

حِلَّه منت اعلي ول رد

(حِلَّه منت اعلي ول رد) فتاة من أولاد امبارك سيدة مجتمع ذات حظوة وجمال.

كان لها صالونها الأدبي بمقاييس عصرها ، يجتمع فيه الندماء يتسامرون على الأدب وجيد الشعر على (اللّيّن) من الهو ل ويتعاطون بَيْگِي وأسرار لبتيت.

وكان الأمير امحمد ولد بوسيف (الكفيَه) فتى وأي فتى ، وكان من عادته أنه (يسمع ألا الهول لكحل).

كان الأمير (الكفيَه) لا يحب (لبياظ) ولا يطّبِيه (لبتيت) ولايحب بَيْگِي ولا المجلس الصاخب بالحديث الضّاج بالرّد.

وكانت (حلّه) لايحلو لها السمر إلا على اللّين ولبتيت وكان مجلسها صاخبا بالرّد والحكاية، مؤثثا بخليط من الناس.
هي شامية إذا ما استهلت :: وسهيل إذا استهل يماني

وشاء الله أن رأى الكفية (حلة) فأعجبته وكان سمع بها وبأنباء مجلسها، فبعث إليها أنه يود حضور مجلسها لكن شريطة ألا يتضمن هوله لبتيت وأن يكون حضوره مقصورا على عدد معين من الناس.
أجابته حلّه ، أنه إن حضر فعلى الرحب والسعة لكنها لن تغير عادتها ولن تجري أي تعديل في تشكيلة المجلس أونمط الهول.

جرت مياه تحت جسر الزمن..
لم تتنازل (حله) و(انسبلْ) الأمير ملخصا القصة بقوله:
لَحْگـتْنِ حِلَّه لَهْوْ انْجيـهْ :: مانِ فيـهْ الْ (بَيْگِي) سَمَّـاعْ
وعِت انْرِفْ اعْليهْ ونِبْغيـهْ :: ونِشْريهِ إيلَ رَيْـتُ ينبـاعْ

غلاَّتْ اعْلِيَّ حِـلَّه (رَدْ) :: ما كان اعْلِـيَّ يَغْـلَ بَعْـدْ
(لِبْتَيْتْ) و(ياسـرْ) مـا يِنْعَـدْ :: وانَ سابگهـا يَالشَّـفَّـاعْ
ماكنتْ انشِكْ انْ اتْلَ حَـدْ :: اعْلَ حَدْ إيغَلِّ شِ گاعْ

گطْ اگبَلْ مِتْكِنْتْ ومِتْكِنْتْ :: وتَمَّيْتْ الاَّ بِگسَايَ كِنـتْ
غير انْطِعْتْ الْ (حِلّه) وانْسِقْتْ :: واگبِِلْ عگلِ زادْ التِّطْواعْ
وانَ ما گطْ انسِقْتْ وطعْتْ :: وعَگلِ مَا گطْ انْسَاقْ وطَاعْ

//

أم الطريد

أم اطْريد بنت لمشيش البركنية زوج السناد بن اعلي بن احميده التروزي زعيم أولاد البوعلية الذي اشتهر بالعدل والزعامة.

كتب الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله، في تحقيقه لكتاب "التكملة" للعلامة محمد فال ولد باب العلوي:
"أضاف ابن أبي مدين عند ذكر السناد الحاشية التالية:
السناد: هو السناد بن اعلي بن احميده رئيس أولاد البوعليّه في زمنه وهو من لخواوات أبناء إبراهيم بن بله -بتفخيم الباء- بن عزوز ،
وزوجة السناد ، اسمها أم الطريد بنت لمشيش البركنية".

وكانت أم اطْريد مثالا للمرأة الأروستقراطية في زمنها فهي زوجة زعيم بجّلها وأكرمها.
زارها العلامة النابغة الغلاوي مع شيخه العلامة أحمد للعاقل فرآها في نعمة عجيبة ، وقد وقفت لها الدنيا على أربع ، كانت خيمتها من أحسن ما رأى أثاثا ورئيا، فلم يفتقد أي شيء ، كان كل شيء لديها.
إلا أنه تذكر ثم قال في نفسه لوكانت بجانبها قربة من الماء!!
فما جال ذلك الخاطر في نفسه حتى (كشحت حصيرا) بجابها فإذا تحته (گِدْرَه) عظيمة اغترفت منها وناولته فإذا هو قراح الماء البارد ، فعلم أن قد اكتمل ملكها.

وفي عام 1223هـ / 1808م وقعت معركة "انتمركاي" (يوم انتمركاي الأول).
وانتمركاي: بئر من آبار منطقة إگيدي بالترارزة لأولاد ديمان (أولاد باب أحمد) ، يبعد حوالي 40 كيلومترا شمال شرق مدينة المذرذرة.
وقعت معركة "انتمركاي" بين أولاد دمان والمثلوثة (أولاد البوعليّة وموسات وأهل عبَّلَّه).
وسميت المعركة أيضا يوم (الفكرون) ، والفكرون لقب أطلق على جيش أولاد البوعليه لأنه اتخذ شكلا مربعا في وقعة انتمركاي هذه ، وكان جيشهم بقيادة السناد بن اعلي بن احميده الذي قتل في المعركة.

دارت الأيام وذات رحلة مرّ النابغة على ديار أم الطريد فوجد الديار قد أقفرت فشجاه الربع الدارس ورأى امرأة تصلح جلدا فسألها هل تعرفين أم الطريد؟
نظرت إليه بعينين أطفأ الزمن بريقهما وقالت:
أنا أم الطريد !!
ثم أردفت:
الدنيا ماهِ شِ كامله
هنالك قال البهجة ولد أفلواط الواقف بجانبها:
واللهِ يذاكْ ألّ حگ..

بلغت تلك الكلمة وتلك الشهادة مبلغا عظيما من نفس النابغة فشرع في كتابة نظمه (أم اطْرِيـد):
الحمد لله الغني الباقي :: مُبيد أهل الأرض والطِّبَاق
ثم الصلاة والسلام عبقـا :: على من استحال بعده البقا
هذا وذي تذكـرة للنـاس :: نظمتها تذكـرة للناسـي
سميتها بعقـد أم اطْرِيـد :: في عظة الواعظ والْمُريـد
ذكرت فيها نبذة لمن عقل :: حال الزمان (وليقسْ مالم يقل)
قالت لنا أمُ الطّريدِ الدنيـا :: ليست بشيءٍ كلها لا ثُنيا
وشهد البَهْجَ لها على ذا :: وقلَّ من عن حكـم ذَيـنِ لاذَا

//

منت إمّـنْـهَ

(منت إمّـنْـهَ) زوجة حاكم دائرة المذرذرة السيد شاربونيي (المعروف محليا بـ"صَرْبَنـْـيَه").
كتب العميد محمد فال ولد سيد ميله (بدال):
"دوام الحال من المُحال .. قصة ؛منت امّـنـْـهَ ؛ عبرة لمن يعتبر"
من المفترض أن "منت امّـنـْـهَ" ولدت في العشرية الأخيرة من القرن التاسع عشر. ففي سبعينيات القرن العشرين، كانت تبدو وكأنها في عقدها الثامن.
تعتبر بنت امّـنـْـهَ "الفتاة" المدللة لحاكم دائرة المذرذره السيد شاربونيي (المعروف محليا بـ"صَرْبَنـْـيَه"). 
كانت "زوجة كومانده" التي لا يُعصى لها أمر. 
لقد شـُـغف بها أيما شغف فكان الحرس يسهرون على خدمتها في أي وقت موفرين لها كل ما تريده، مهما كان. 
عاشت "منت امّـنـْـهَ" بورجوازية مجنونة عرفت خلالها حياة بذخ لا مثيل له، فكانت تعتبر أن لبن الإبل يفيد في لمعان ونعومة البشرة، لذلك تبعث بخدامها، ضحى كل يوم، لاستجلاب عشرات أقداح اللبن من أجل أن تستحم به. 
عاشت منت امّـنـْـهَ، ما بين 1920 و1930، أقصى أنواع الغنج والكبرياء واستغلال النفوذ. وفجأة، دون سابق إنذار، حلّ غضب الإدارة الاستعمارية، في سان الويس، بالحاكم صَرْبَنـْـيَه فحًوّل عن المذرذره عقابا له على تعاطفه المزعوم مع السجين الشيخ حماه الله. وهكذا بدأت دولة بنت امّـنـْـهَ في الانهيار، وأخذ نجمها في الأفول شيئا فشيئا. 
وفي السنوات الأولى من سبعينات القرن الماضي، كانت منت امّـنـْـهَ تتسول في شوارع المذرذره: فالمسكينة، التي لم تنجب أبدا، لم يكن لها أي معيل. كان الأطفال يهابون عضتها الشرسة عندما يحاول أحدهم سرقة النزر القليل من الصدقات التي تحصل عليها هناك. 
ولسبب ما زلت أجهله، دفنت منت امّـنـْـهَ وحيدة معزولة على بعد كيلومترين جنوب غرب المذرذره، رغم أن المقبرة لم تكن تبعد من المدينة أكثر من 500 متر.
/
ونقل محمدن عبدات، و -الشيء بالشيء يذكر- أن مريم منت اطويلب في كتاب: (ابنة الصياد) تحدثت عن نواة المجتمع المخملي المتشكل في لكصر سنوات الاستقلال الأولى وتذكر بالاسم سيدة تدعى (عيشة) كانت زوجة أحد الضباط الفرنسيين وتدير (بارا) للشرب ترتاده (عِلية) القوم وكانت منت اطويلب تعتبر عيشة هذه مضرب مثل في (الرقي) لأنها ترتدي الزي الغربي وتدخن وتشرب الكحول .. تروي منت اطويلب أنها استاءت كثيرا في آخر زيارة لها إلى موريتانيا حين وجدت صديقتها (عيشة) بائسة أشد البؤس ، تسكن في "ابْراگـ" في حي (صالة) الشعبي بمدينة انواذيب لايذكرها ذاكر ولايزورها زائر ومصابة بالهلوسة.

//

أمّتها منت عبابَه

أمّتها منت عبابَه رحمها الله، من أشهر نساء المنتبذ القصي وأجملهن، سارت بخبر حسنها الركبان وتغنى به الشعراء، وأثنى على كرمها المداحون وأشادوا بمروءتها وسماحتها.

كانت سيدة مجتمع من الدرجة الأولى، كانت أنثى استثنائية في زمن استثنائي، عشقها الحاكم الفرنسي ودخل الإسلام ليتزوجها واشترى لها طائرة خاصة وبنى لها دارا من الإسمنت المسلح في شمال المنتبذ القصي.

ومع الاستقلال كان لها منزل في نواكشوط في "ابلوكات الحُمُرْ" كان لها صالون أدبي جمع الشعراء والفنانين كانت بارعة في قرض الشعر "لغن" خبيرة بالتبراع مرهفة مفتوحة أزوان.
قيل لها ذات حمل:
 فالح ذال منو مژهـودْ ::  واستقريبُ زاد اعطيبُ
 وان مانعرف حد اعودْ :: فالح ذَ كيفْ استقريبُ
والگاف من گفان نحية "لرحال" في ابتيت إجّانبه البيظه وشاهدها
ألا إنما الدنيا نضارة أيكةٍ :: إذا اخضر منها جانبٌ جفّ جانبُ
ومن گفانها:
 يجملي هـاه الِّل نـنْـوَ :: بالتاسدبيت الَّ جيبُو
وللّ يجملي موتْ اسوَ :: رانك ميّت فاطاليبـو

كانت امتها أول امرأة تعد الشاي وتعتني بنظافته وتتوج كؤوسه بالرغوة وكان قبلها طقسا رجاليا.
كانت كريمة واشتهرت بالإنفاق وكثرة الصدقة ، وكانت تقية عابدة أخذت الطريقة التجانية عن الشيخ محمد محمود ولد الطلبة العلوى وكانت تكرمه وتجله ، ذات وعكة أرسلت له طائرتها الخاصة لنقله من شنقيط إلى أطار للعلاج.

كانت تتنقل بطائرتها الخاصة بين إقاماتها في نواكشوط وأطار ونواذيب.
حدثي رجل ذات أنس قال أول مرة أرى فيها التفاح والعنب والبرتقال كانت على مائدة امتها فقد كانت تجبى إليها الثمرات طازجة من فرنسا وجزر الكناري.

وفي سنة 1963 ذهبت للحج وكانت أول سيدة من المنتبذ القصي تذهب إلى الحج وتعود في نفس العام، حاملة الهدايا والصور ومنها صورتها على قمة جبل الرحمة.
في أكتوبر 1964 وفي رحلة بين فرنسا والمنتبذ القصي تحطمت بها الطائرة فوق جبل سييرا نيفادا" Sierra Nevada" جبل الثلج المشهور بالأندلس.
الأندلس نعم لو قدّر لرفاتها أن يتحول إلى نخلة في رصافة الأندلس لرثاها الزمن بقول صقر قريش عبد الرحمن الداخل:
تبدّت لنا وسط الرصافة نخلة :: تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
سقتك غوادي المزن من صوبها الذي :: يسح ويستمري السماكين بالوبل

وقع خبر رحيل امتها المفاجئ كالصاعقة على أهل المنتبذ القصي وعلى محبيها وهم كثر ومرديها وكل من عرفها.
أوحشت الديار وانفض السامر، مر القاضي المختار ولد محمد موسى رحمه الله على ديارها وهي موحشة صامتة وكان يعهدها عامرة بالأنس فقال :
الـدنيَ ما فيها مـرتابْ :: خرصْ ذوك إديارْ إمتهَا
گـبْـلْ الموتْ أخير إلِّ تاب :: سابگ ما نزلتْ حمتها

//

فاطمة السالمة بنت البُوبّان

فاطمة السالمة بنت البُوبّان فنانة عصرها بلا منازع طبقت شهرتها الآفاق وضرب الناس أكباد الإبل لسماع فنها وكانت مضرب المثل في الشهرة والغناء، فما أم كلثوم تغني بنيلها ربيع شباب النيل أوج ربيعه لتبلغ شسع نعلها تماما كالفنانة "مُلة " بنت آب فنانة عصرها في تگانت.
فحين زار المناضل الرمز النائب أحمدو ولد حرمه تگانت وهم بالمغادرة أبى عليه أهلها أن يرحل قبل أن تغني له الفنانة مٌلة فزيارة رمز بحجمه لا تكتمل إلا بتلك الحفاوة:
أُصَوّرْ لِ گط افْ مِلّه :: حِسّكْ يَ مُلـّه وُمَـوّرْ
ولينْ اجبرتك يَ مُلـَّـه :: إلحگتُ شِ ما يُصَوّرْ

وكانت لأحد مجاذيب اليداليين (إدودايْ) وهو المختار ولد محمذن ولد محمد اليدالي أغنية تسمى "عيشه رخمة " وكان يؤديها أداء بديعا متميزا بصوته النديّ الشجي وكان مجذوبا سليل مجاذيب وقد زكى العلامة محمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل "ببها" علما هذه الأغنية ضاربا المثل بأن نهجها أعجز القيان بل وأعجز حتى فنانة عصرها فاطمة السالمة بنت الببان يقول ببها:
غناية المختار ما مثلها :: غناية من الخنا سالمه
قد عجز القيان عن مثلها :: وعجزت فاطمة السالمه

وقد توفيت فاطمة السالمة ودفنت عند "تندگصالَ" شمال مدينة روصو، وقد رثاها امحمد ولد أحمد يوره بقوله :
يا روضةً عند "تندگصالَ" حُيّيتِ :: ومن أذًى وصدًى في القبر نُجّيتِ
يا ذات صَوت وصِيت عند فقدهما :: لم يبق في الحي من صوتٍ ولا صٍيت

تزوج الشريف ولد الصبار المجلسي في الأشياخ "أهل الشيخ سعد بوه"،من السيدة الحِجّه بنت الشيخ، وذات أنس انعقد مجلس طرب للفنانة فاطمة السالمة وكان امحمد ولد أحمد يوره حاضرا مع أعيان لشياخ وحين رُكّب أزوان وتربعت فاطمة السالمة قام الشريف عن المجلس تاركا بيتين:
لا تعجبوا من قيامي عن مغنية :: إذا شدت قال ربات المزامر: "كُمْ"
فقد يليق بكم ما لايليق بنا :: وقد يليق بنا ما لا يليق بكم
وحين بلغ بالقوم الطرب مبلغه وفطمة السالمة تطويهم وتنشرهم وهم صرعى تخال أمردهم نشوان من طرب والشيخ من هزه عطفيه نشوانا، نظر امحمد وهو الضيف غير المعني نظرةٌ ثاقبة مِن مُقلَةِ خبيرٍ قل من ينظر بها، وقال بيتين مغلفين بمسحة صوفية لا يَحجبُهما عن القلب حاجب:
تكون لك الدنيا مواعظ كلها :: إذا أنت لم تحكم لها بالظواهر
ومن كان ذا لُبٍ فسيان عنده :: صفوف البواكي واصطكاك المزامر

انقضى الهول وانفض السامر ومضى كل إلى غايته، كان الشيخ سيداتي بن الشيخ سعدبوه متزوجا بالسيدة
آمنة بنت محمدفال بن ألمين بن محمذن بن آبني من "تمگله"، وله منها ابنة هي اسْحِيَه بنت سيدات، وتزوجها بعده العلامة زين بن اجّمد اليدالي ورحل بها إلى الزيرة قرب كرمسين حيث محظرته، وذات نجعة إلى كرمسين والزيرة مرالشيخ سيداتي قرب "حي لمرابط " وتطلق على حيّ زين بن اجمد ومحظرته فقرر المرور على زين والسلام عليه وعلي ابنته ربيبة زين ممتثلا قولة العلامة حامدٌ بن محمذن بن محنض باب بن اعبيد إن من غاب - أي ارتحل بحثا عن الميرة والزاد – ولم يلق زين بن اجّمد فكأنما رجع بخفي حنين.
استقبل ابن اجّمد ضيفه الشيخ سيداتي بما يليق من الحفاوة وأثناء المفاكهة في حديث طابت أفانينه من كل جانب ورقت حواشيه، قال الشيخ سيداتي لزين هل سمعت بيتي اشريف ولد الصبار لامحمد ولد أحمد يوره وتعريضه به في مجلس الطرب بأنه قد يليق بامحمد مالا يليق به؟
وكأنما أخذت العلامة زين نفسية أو حمية لولد أحمد يوره فأجاب الشيخ سيداتي بقوله: الأبيات ليست موجهة لامحمد
فقال سيداتي : لمن إذن ؟
فقال زين: الأبيات موجهة إليكم أنتم فامحمد خاطر وبراني والهول منعقد عندكم أنتم أهل الشيخ سعدبوه وفي خيامكم واشريف نسيبكم زوج ابنتكم فالأمر شأن داخلي لاعلاقة لولد أحمد يوره به وإن كان امحمد يضيف ابن اجّمد قد أجاب بطريقة غير مباشرة من خلال بيتيه " تكون لك الدنيا مواعظ كلها " .
سكت الشيخ سيداتي وحين رجع للنمجاط قصّ فحوى مادار بينه وبين زين بن اجّمد على أبيه الشيخ سعد بوه فكأن الشيخ سعدبوه "لم يتمونكْ" لكنه لنبل معدنه فرح أيضا لوجود ما يعاب عليه متمنيا أن يجد ألف هاج من طراز الشريف، يقول الشيخ سعدبوه:
أخبرني سيداتِ أن ابن اجّمدْ ::أخبره أن الشريفَ لافندْ
بشعره الجيد قد هجاني :: جزاه ربي أحسن الإحسان
يا ليتني وجدت ألفَ هاج :: مثل الشريف النيّر المنهاج
كلهم يُظهر ما فيها خفَا :: لعلها تأخذ نهج المصطفى
ويخبرونها بأنها تموت :: غدا وأن كل ذا سوف يفوتْ

قال اولاد ديمان إن الشيخ سعد بوه غلبهم في الحلم، فهم يسكتون عن المسيء، وهوزاد بالمدح والدعاء الصالح.

قال محمد مالعينين في المجلس إن حذف التاء مع جمع المؤنث السالم في قول الشريف (قال ربات المزامر) مخالف لمذهب سيبويه وجمهور البصريين.
وقد روي عن الفراء وغيره أن التأنيث يفيد الكثرة ، والتذكير قد يفيد القلة ، والتأنيث قد يفيد المبالغة ، واستدلوا على ورود التذكير للقلة بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ﴾.

لاحظ أحد الزملاء ملاحظة وجيهة، قائلا: رغم انسحاب العلامة اشريف ولد الصبار عن مجلس الهول فإنه أشاد بالفنانة فاطمة السالمة بقوله:
إذا شدت قال ربات المزامر: "كُمْ"
وهذه لعمري شهاة لاتعادلها إلا شهادة القاضى حامد بن ببها لتكيبر بنت أعمر امبارك:
فما مزهرُ المَـيْلَا ببغداد حاكيا :: لمزهرك الأسنى ولا هو ناسخ
وإن تأتِ للشادين فالحال منشد :: (إذا صرصر البازى فلا ديك صارخ)
/

كامل الود

سيدمحمد