العائد من القبر

العائد من القبر

من أغرب النزاعات في المنتبذ القصي ما حدّث به الشيخ الرّاوية عبد الله ولد باباه قال، حدّث الشيخ العلامة عبد الله ولد داداه قال: 
شهدت وأنا حدث مرافعة طريفة بين (ول آغنيب) ومرابطٍ من الزوايا، في مجلس قضاء والدي سيدي محمد (الراجل) ولد داداه.

وتفاصيل القصة أن (ول آغنيب)، وكان رجلا جهير الصوت، وأوتي بسطة في الجسم .. ذهب إلى شمامة عام رمادة، في طلب الميرة، 
ونزل عند أناس من (قُطّان شمامة) لجمع الزرع، وأثناء طلب الميرة أصيب ذات ليلة بمرض السكتة، ودخل في غيبوبة، فظنّه القوم توفي فأرادوا تجهيزه - مع أن الفقهاء نصوا على عدم الإسراع في تجهيز صاحب السكتة - لكن لم يكن بينهم من يعرف تجهيز الأموات ..
وبينما هم في حيرة من الأمر، نزل بهم مرابطٌ من الزوايا ، فسألوه أن يعينهم على تجهيز الرجل، فوافق شرط الأجرة.
فتحوا (تاسفرت) ول آغنيب، فوجدوا بها (بيصة) من (الخنط)، كان يريد أن يقايض بها الزرع  فقسموها .. وأعطوه نصفها للقيام على تجهيز الرجل.
قام المرابط بتغسيل (ول آغنيب)، وكفّنه في كساء جلد قديم (تيلويشت)، وحفر قبرا دفنه فيه، ومضى في حال سبيله.

وكان من عناية الله، أن ،ول آغنيب أفاق من غيبوبته وأحسّ من نفسه راحة، فخرج من قبره الرطب في هزيع الليل الأخير.

تبيّن الأمر وكان رجلا متّئدا  وجاء إلى الخيمة التي كان نازلا بها، فوجد القوم نياما، فلما أيقظهم ظنوا الأمر كابوسا .فتطايروا عنه، بعد أن تعالت الأصوات، وبلغت القلوب الحناجر ..

فلما استبانوا الأمر، وهدّأ (ول آغنيب) من روعهم، أخبروه ما كان مما كان ..
لكنه حين علم أن نصف "البيصة" أخذه المرابط - الذي جهّزه - كعوض عن أتعابه، حز ذلك في نفسه لما فعله الرجل من (اتفلفيشْ) تكفينا ودفنا، فترك القوم، وركب جمله، ومضى يقتفي أثر المرابط، إلى أن لقيه ضحى الغد.
سلّم عليه، وقال له أنا هو الرجل الذي دفنتم البارحة في مكان كذا، وجئت أطلب نصف (البيصة) التي أخذتم.
فرد عليه المرابط قائلا: أنا لم آخذها عنوة، وإنما آجرني بها ناس على تجهيزك ودفنك، وقد قمت بذلك.
ولما أيقن (ول آغنيب) أن صاحبه مصر على حقه في نصف (البيصة)، رفعه إلى القضاء، ولم يزل النزاع بينهما إلى أن وصل بهما الأمر إلى القاضي الشيخ سيدي محمد ول داداه (الراجل) علَمًا.

حدّث الشيخ عبد الله ولد داداه:
ومن الطريف في تلك المرافعة قول ول آغنيب" يخاطب القاضي سيدي محمد:
يامرابطي هذا الراجل ما يعرف شي عن تجهيز الموتى، وانَ كفّني افتلويشت درس، وادفنّي فاقبر ماهو لاحگ اذراع اعلَ التحت.

فيرد المرابط  قائلا:
السيد القاضي (ولد آغنيب) تَبارك الله ابْقَدْرُو، وشمامة "كِدْيَ"  يصعب الحفر العميق فيها.

يضيف الشيخ عبد الله ول داداه:
بعد أخذ ورد، حكم القاضي الشيخ سيدي محمد (الراجل) بين المتخاصمين بمناصفة نصف (البيصة) بينهما.
فول آغنيب مالكها، وهو على قيد الحياة، وتام التصرف في ماله.
وخصمه، أُوجر على عمل، وأتم نصفه.
وقد قال له القاضي الشيخ سيدي محمد، لمرابط الزوايا: لو أتقنتَ عملكَ لما أمكن لول آغنيب الخروج من القبر ومقاضاتك.
فلذلك لم تستحق إلا نصف أجرك.

كامل الود

سيد محمد