#يوم_مجلس_الموطأ
في مجلس الموطأ الجمعة الماضبة- وهو المجلس الخامس والأربعون- بدأنا بحديث مالك في الموطأ:
( مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن ثابت قال: أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة).
ومما ذكرت لهم في هذا المجلس:
1- أن زيد بن ثابت رضي الله عنه من كبار علماء الصحابة رضوان الله عليهم ومن الراسخين في العلم ومن كتاب الوحي..
ومن أشهر مذهبه أنه ورث ثلاث جدات: أم الأم؛ وأم الأب؛ وأم الجد؛ بينما جماهير أهل العلم على توريث جدتين فقط: أم الأم؛ وأم الأب.
وقد أشار إلى مذهبه العلامة عبد الله بن الحاج حمى الله في نظم الرسالة بقوله:
وثلث ابن ثابت بأم @
أب أب من دون أهل العلم..
2- أن هذا الحديث الذي أوقفه مالك هنا على زيد بن ثابت روي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وحتى لو لم يكن مرفوعا فإن له حكم الرفع إذ مثله لا يقال بالرأي.
3- أن من فقه هذا الحديث أن صلاة النافلة أفضل في البيوت منها في المساجد كما قال ابن رشد:
وفي البيوت للنساء أولى @
وللرجال من يريد نفلا..
وهذا في غير النواقل التي تطلب فيها الجماعة كالعيدين والاستسقاء والتراويح...
4- وإنما كانت النافلة في البيوت أفضل خوف الرياء قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار شرح الموطأ: "وقال بعض الحكماء: إخفاء العلم هلكة وإخفاء العمل نجاة".
ثم بدأنا في الحديث الثاني:
(بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح لا يستطيعونهما أو نحو هذا ).
ومما علقت به على هذا الحديث:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها هنا العشاء وسماها في رواية أخرى لهذا الحديث العتمة؛ وورد النهي عن تسميتها بالعتمة والصحيح جوازه.
2- إنما كانت هاتان الصلاتان ثقيلتين على المنافقين لأن العشاء وقت استراحة من العمل والصبح وقت نوم فلا يقوم إليهما إلا من رزقه الله البعد عن النفاق وترك الركون للراحة بغية ما عند الله.
3- في هذا تأكيد على فضل الجماعة ولا سيما في هذين الوقتين؛ وأن من علامة الفسق والنفاق المواظبة على التخلف عنها بلا عذر؛ ولذا قال ابن عمر - رضي الله عنه - : (كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين أسأنا به الظن: العشاء والصبح).
ثم بدأنا في الحديث الثالث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له
وقال: الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله .
وقال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا).
ومما ذكرت لهم هنا:
1- هذا حديث واحد ذكر فيه مالك عدة أجناس من الفقه غير متجانسة؛ فما علاقة تنحية الشوك عن الطريق بصلاة الجماعة وما علاقة الشهداء بذلك؟
حاول أبو الوليد الباجي إبراز رابط بين صلاة الجماعة وتنحبة الشوك عن الطريق فقال: وجه ذلك أن الله يجازي على هذا العمل اليسير بهذا الأجر الكثير فكيف بمن يأتي بالعمل الشاق كمن يصلي العشاء والصبح في جماعة فإن أجره سيكون كثيرا..
ولا يخفى ما في هذا من التكلف؛ وإذا استسيغ فما الجواب عن إيراد الشهداء؟!
ولعل الصواب أن مالكا روى هذا الحديث دفعة واحدة فلما رأى آخره له تعلق بفضل الجماعة بفضل الجماعة جعله ضمن هذا الفصل.
2- طرح القاضي أبوبكر بن العربي سؤالا على هذا الحديث وحديث الزانية التي سقت الكلب فغفر لها واعتبر هذا السؤال من النكت الأصولية وهو لماذا الفعل اليسير يغفر الذنب الكبير؟!
وأجاب عنه بثلاثة أجوبة:
الأول أن هذا الفعل كان سببا في التوبة فالتوبة هي التي كفرت الذنب الكبير وهذا الفعل لما كان سببا في التوبة نسب التكفير إليه.
الثاني أن التكفير وقع بهذا الفعل مع رصيد من الخير كان لهذا الفاعل قبل ذلك فالجميع هو المكفر لا هذا الفعل وحده.
الثالث أن هذا الفعل كفر قدره من الذنوب لا غير ذلك.
هكذا قال القاضي أبوبكر بن العربي.
وعندي أنه لا مانع من أن يكفر الله ذنوبا كبيرة بطاعة صغيرة لما نالت من القبول والتزكية عنده تعالى فتصبح كبيرة بسبب إخلاص صاحبها إو توفيقه أو رضى الله عن صنيعه؛ وفي بعض الآثار: ثلاث عملهن يسير وأجرهن كثير.
3- أن مالكا ذكر في هذا الحديث أن الشهداء خمسة؛ وفي باب الجائز ذكر أنهم سبعة وفي حديث غير مالك زيادة ثلاثة فهم أحد عشر؛ وأوصل بعضهم الشهداء إلى عشرين وبعضهم إلى أربعين وللحافظ السيوطي نظم في ذلك.
4- هؤلاء الشهداء كلهم يغسل ويصلى عليه إلا شهيد المعترك.
ابو سهلة