في عيد الحُب ..اعترافات عَوانِس قَديمات.
.......ا
أيام بَواكير العمل، كُنَّا - زميلتي وأنا - أوانَسَ مبتدئات في الحياة، تَضحك أمانينا ببراءة،.. نهدر فائض الوقت بسعادة، نشغله بالتفاهات، ومنها لعبة الأحلام الربيعية،.. كنا نتلهَّى برسم ملامح فتَى الأحلام أو زوج المستقبل، حَشَاكم،.. نَقَشْنا جدولاً على ورقة قسَّمناهُ لخاناتٍ عمودية، رقَّمْنا الخانات ورتَّبنا فيها حزمة أماني وأولويات ومواصفات، نتَشرُّط فيها على الحظ، كما لوْ كان لنا خاطر لديه..
الصف الأعلى من الجدول يحمل تطلُّعات مُنعِشة للخيال من نوع: شاب وسيم، ابن عمٍ، غني، مثقف، مُتحضِّر..إلخ
الصف الموالي أودعناه صفات: مهندس، طبيب، تاجر كبير من قبائل بعينها... يعني، تخيَّلنا أنفسنا في ذلك الإطار الذي يريد المُجتمع أن يرانا داخله.
وتتدحرج الأيام، تسحب خلفها خيباتٍ وكرْبَلاءَات في شكل عَلاقات، ونحن في بحثنا عن شيء آخر، شيء «كأفراخِ العصافير، أوَّلاَ»،.. لكن بَدَلَ الظَّفر به، شَعرنا أنَّنا نُرسِّخ أقدامنا في العُنوسة بِثباتٍ، صرنا نُصاب بتسلُّخات نَفسيَّة إنْ نحنُ اختُبِرْنا بتلك الأسئلة المُحَتَّمة، مثلا، كمْ صارت أعماركن؟!.. فنعطي إجابات متأرجحة من نوع: (Plus 18 ans) ، أيْ ذاك المنحى المتنصِّل ممَّا فوق سنِّ الرشد القانوني.
اضطررنا مَرَّاتٍ لمراجعة صِنْف الأمَاني نُزولاً،.. نُرمِّم الأحلام المَكسورة ونَرتَحل بها إلى خاناتٍ أسفل، اسقطنا منها الفَظَّة وزين الذّات وعلوّ الدّرجات والآمال العريضات،.. خانات تحمل نُعوتًا كالِحةٍ مثل: أرمل، مُعيل مُطَلَّق، (المُعيل المُتزوِّج، من الصَّيد الجائر، وكُنَّا نحرِّمه حماية للبيئة)،.. ثم إلى خانات بسِمات كادِحَة من نوع: مُعلِّم، جندي، حلاّق، وَگّاف، ومن عامة الناس..
وهكذا،.. حتى أدركنا بأحلامنا أَخْمصَ الجدول، فهَبطنا في الخانة الأخيرة التي لا تَحمل إلا صِفة واحدة: "مُسلم" تِگصاصْ!،.. مَصگول من أيِّ ميزة... وعندها سلَّمنا الأمر للواحد الأحد،.. المُهِم أيّ مَتْعوس لزُوم الخِلْفَه،..
وتسخينًا لرَتابة التَّرقُّب، تَظل صديقتي -مُسيِّرة الجدول- تُبلغني أنَّ مُؤشّر التَّنازل عن "الطُّموح" إلى انحدار، وتَجُرّني خلفها هُبوطا، بَيْدَ أنَّ تَمَهُّل الحظِّ، لم يَمنعنا من جرأة استعراض فُتاتَ حَصيلتنا العشوائية من الغَزل الأحْول، رغم كونها لا تتجاوز -غالبًا- بِضع كلماتٍ سَمجة منْ مارٍ منْ هُنا، أو زَلّة عَينٍ مُتَطاولة من ابنِ سبيلٍ عابرٍ من هناك!.. ونُوهم النَّفس: «اسْوَ، ذاكْ كاملْ سَمِي، اتفُ بيهْ ألاَّ الزَّمگه، وحدْ ما ساميه حدْ».
وبين حينٍ وحينٍ أعيدُ عليها السؤال ذاته: «أيْوه الفالْ ظرك امنينْ لاحِگ ؟»،.. لتردَّ عليَّ يوماً : «اصويحبتي ادْعيلي الله الثَّبات على الإيمان والملَّة»،.. قُلت: «خيرًا!».. قالت:«خايفه إگظْ طموحنا عن خانة "مُسلم".. ما ابْگ وراها شي، وهُوَ مَا اجْبَرناه!،.. وحازمني يكانَّ ادَّهْرين شُورْ خانة "أهل الكتاب" ما حسَّينا.. وأحْزَمْلي منها يَكانْهُم ما شَغلو فينا».
الإبراهيمية فكرة قديمة.
تحياتي.